الاثنين، 23 فبراير 2015

أرض الحلول

لا يزال المصري يحمل روح الراهب في داخله يتفقد حبال عقائده في الصحراء حيث وجدته علي حافتها عند الكيلو 50 من القاهرة متجهاً إلي الأسكندرية ... إنه دير النشار ... و يمكنك أن تدعوه بــمتحف النشار كذلك , لن نختلف في هذا و أرجو أن نتفق فيما عداه .
المحاريب مفتوحة دائماً للزائرين و بها قدر وافر من الترحاب 
سأكتب لك يا صديقي عن انطباعاتي داخل هذا المتحف إذا فكرت أن تأتي يوماً تتحقق من هذا  
العمل يبدأ فوراً عند النشار ... لقد ترك التمهيد للآخرين في لوحة خامسة ستواجهك مباشرة عند دخولك من باب المتحف .. و علي يمينها أربع نوافذ صغيرة ربما كان بينها و بين أعمال زوجته الفنانة زينب السجيني بعض التشابه كونها ( سيدة الغزل بالألوان ) ... إنها متخصصة في نقل المشاعر من عالم اللا مرئي إلي عالم الماديات مستخدمة في هذا اللون و الفرشاة و ستجد بعض إنتاجها هنا كذلك
الحقائق المجردة ليست لذيذة بالضرورة ... قد تحتاج إلي مغلفٍ ماهر ... النشار لا يعشق الستائر و لكن نوافذه غير واضحة تماماً .. إنها تشبه سطح الأرض ما بين مرتفعٍ و شاهقٍ و منخفضٍ و 
 عميق جداً .. ربما كان هذا منطقه فيما يختص بأسرار الحياه
سأتركك عند اللوحة الثانية تبحث خلف هذه الأرقام و أذهب إلي اللوحة الثالثة حيث هناك أسدٌ في الجوار .. لكني مهتمٌ بعالم القردة هذا في منتصف اللوحة ... ربما كان النشار سياسياً .. سيتضح لنا هذا فيما بعد .. لم نتوصل إلي ماهية هذا في هذه اللوحة ربما لمحدودية الوقت ... إذن في اللوحة الرابعة هناك خليطٌ من قطط و خراف و ذكور ماعز و أُخـَـر يتعرضن لمضايقات البشر 
هذه الطريقة في التعبير تحتاج إلي سكون الصحراء العميق بالفعل ... إسمع يا صديقي ... إنتهج طريق شامبليون و ضم أرقام هذه اللوحة الخامسة إلي ما لديك ربما توصلت لشئ .. إنها تتحدث عن آلاف السنين مضت .. إنها تحمل مفتاح الحياة للبشر عند الأقدمين كما يحمل النشار مفتاح الحياة للفن ... إنه يعشق الأزمنة الذهبية كما تري في كثافة اللون الذهبي هنا ... كما يعشق الدقة و أنا كذلك أعشق الدقة كما أعشق التجديد و الإبتكار المنطقي ... لا أدري ما هو الفن التكعيبي و لكني أعتقد أن ابتكار النشار الفني هذا هو الأحق بهذا العنوان و علي الآخرين البحث عن مسميً آخر ... إنني فخور بهذا الراهب ... لقد ابتكر منسكاً فنياً جديداً تماماً كما هو معروف عن المصريين عشق الإبتكارات الدينية .. لابد و أنه من نواتج مخزون عقله الباطن حيث أسرار بناء الهرم بأحجاره متطرفة البروزات أو سحر شواطئ بلاده بامواجها المعتدلة ... لقد عشقت هذه الطريقة بالفعل .. إنه يكتب بالفرشاة علي كل حجر او كل موجة أشياءً كثيرة 
اعتقد أنه ليس بالتشبيه الجيد أن أدعو هذا الرجل
 بـ الفنان الاخطبوط
إلا إنه يستخدم نظرية هذا المخلوق .. إنه يبشرك ببساطة الموضوع حتي إذا ما اقتربت وجدت نفسك محاطاً بشدائد فضولك لا فكاك منها ... كل لوحة تحمل أعداداً من اللوحات بداخلها !! كم من الوقت كان هذا الرجل يستهلكه في خلق كل لوحة  !!!؟ 
كم من الصفحات يحتاج مثلي للكتابة عن هذا ؟ ..  يجب أن تأتي يوماً يا صديقي كأمر ضروري ... كل حكايا المجتمع  هنا ...
دع الارقام الآن ... أريدك هنا ... حاول أن تعرف ما يرمز إليه هذا الميزان في أعلي يمين اللوحة ... إنه يتحدث عن العدالة الإجتماعية __ تأكد فقط ___  إن لم نتعلم من النشار الحساب فلنتعلم منه السياسة ... السياسة عند النشار قد لا تخلو من السباب أحياناً كما يعلمنا في هذه اللوحة المؤرخة لعام 1972 .. إنه
يسب النظام الحاكم.. لكنه سباب مهذب .. إنها المرة الأولي التي أسمع فيها عن وجود سباب مهذب ... إنه ابتكار آخر عدل عنه معتذراً في هذه اللوحة المؤرخة لعام 1975 متحدثاً عن آماله الكبري في التنمية و البناء .. و اللوحة إلي جوارها عن قدرات هذا البلد العظيمة من بشر و خامات .. لهذا نراه و قد تحول من حالة الإكتئاب إلي حالة البهجة  كما تري في هذه التكعيبية التي تعود لعام 1996 
هذا الرجل يحترم اللون إلي درجة التقديس ... إنه يتعامل معه كشخص طبيعي مثلنا له حقوقه التي يجب أن تـُصان 
صديقي ؟ .. ( الفنان نصف نبي ) .. هل تؤمن بهذا ؟
إليك البرهان في هذه اللوحات الثلاث ... لقد تنبأ في تكعيبه هذا بما ستؤول إليه الأوضاع في عالم منفتح علي الآخرين بلا حدود أو قيود .... بجمالياتها و مشكلات لم نعهدها 
..........
لقد جاء الراهب إلي هذا المكان يحمل معه العديد من مشكلاتك يا صديقي كما تري في مجمل هذه الاسفار الملونة ... إنه لم يتخل عنك ... أعلم انك ستأتي هارباً منها .. و لكن ليس من المنطق أن تتجاهلها تماماً ..هذا المكان هو الأصلح للتفكير فيها حيث الصفاء الذهنى و السكون المهيب
صديقي .. أنت في أرض الحلول
................................................................
عن زيارة لمتحف الدكتور الفنان
عبد الرحمن النشار
..
بقلم : عبد الوالي علي